الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية تونس بحاجة إلى تفعيل جيش العلوم الاجتماعية والانسانية لمكافحة الإرهاب.. بقلم الأستاذ عفيف البوني

نشر في  21 ديسمبر 2016  (10:11)

بقلم الأستاذ عفيف البوني

في الحرب ضد اﻹرهابيين، توظف االدولة اﻻستخبارات واﻻمن والجيش والمال والسلاح حتى يكون بإمكانها اجتثاث اﻹرهابيين الحاملين للسلاح والناشطين في القتل والتدمير، وتكبر الكلفة البشرية والمادية أو تصغر بحسب القدرة على استنزاف العدو، ولكن هذا العدو -أعني اﻹرهابيين- ومهما صغر عددهم وقل تسليحهم، ومهما خسروا بشريا، يستمر إجرامهم في عمليات غادرة وذلك ﻷن الحرب ضدهم ليست الحرب ضد اﻹرهاب، وتخطئ الدولة حين تسمي محاربتها للإرهابيين بالحرب ضد اﻹرهاب وهما أمران مختلفان ولذلك هناك حربان، حرب ضد اﻻرهاببين جارية في تونس فعلا، وأما الحرب ضد اﻹرهاب فهي مؤجلة والحاكمون في بلادنا ﻻ يقدرون على خوضها بفعل التعقيد والتداخل بل وحتى عدم الوضوح السياسي في الموقف من اﻻرهاب وضبابية أسبابه ومصادر تمويله ومن هم صانعوه ومغذّوه باستمرار ليس فقط عبر التجنيد، بل عبر استمرار خطاب التبييض والتبرير لثقافة التكفير ومعاداة العلم والعقل والتسامح والديمقراطية والعمل وكلها قيم ﻻيؤمن  بها المكفرون واﻻرهابيون.

لنترك جانبا حرب الدولة ضد اﻻرهابيين فهي من اختصاص اﻷجهزة الرسمية المختصة، ومع التقدم الجيد في محاصرة اﻻرهابيين واجهاض عمليات كثيرة لهم في المهد بفضل يقظة الساهرين على أمن البلاد، ولكن كي تنجح تلك الحرب، يجب تعزيزها بأن تعلن الدولة أيضا الحرب رسميا وفعليا ضد اﻹرهاب، عبر تجنيد العاملين والمختصين في العلوم اﻻنسانية واﻻجتماعية والفنون اﻻبداعية، وهم جيش آخر سلاحه المعارف واﻻبداعات والحريات التي تصقل شخصية وكرامة اﻻنسان التونسي وتجعله انسانا حرا مبدعا إيجابيا ومواطنا صالحا، وذلك عبر ثقافة الحياة، ثقافة اعتماد الحقائق العلمية المتصلة بالطبيعة، الحقائق النسبية في العلوم اﻻنسانية واﻻجتماعية، وكل ذلك من شأنه أن يحرر شباب تونس  من اعتناق الخرافات واﻷوهام وثقافة التكفير، وهكذا يمكن أن يقع تحصين الشباب والفئات محدودة الزاد التعليمي او التي تحمل شهائد كبيرة وكثيرة في الماورائيات التي ﻻ صلة لها بالعلوم وﻻ بالثقافات اﻻنسانية ذات المعايير البشرية الكونية والراهنة..

إن تسفيه العلوم والمعارف واحتقار الفنون، أو التكفير، اعتداء صارخ على عقل اﻻنسان، وهذا التسفيه، هو بداية  أولى في طمس العقول أي لصناعة اﻻرهاب، وأنا أعجب كيف حطمت تونس رقما قياسيا في بضع سنوات من حيث كثرة عدد اﻻرهابيين الموقوفين وتتزايد أعدادهم دون أن يصدر القضاء حكمه عليهم، وأعجب لكثرة أعداد المجندين المغرربهم الذين يرهبون ويقتلون في سوريا والعراق وليبيا.. يقتلون اﻻبرياء باسم اﻻسلام ويدمرون الحضارة..

وفي نفس الوقت، يقع توظيف مفتعل ومسيس في ما يخدم اﻹرهاب، عبر هيئة الحقيقة والكرامة، بشكل غير مباشر ومقصود، في إظهار استبداد بورقيبة (وصراعه الذاتي والسياسي مع صالح بن يوسف الشخصي والسياسي أيضا) واستبداد بن علي، على أساس  أنه عداء للإسلام، وفي عهديهما وقع بناء 4000 جامع، وكلاهما لم يحارب اﻻسلام بل حاربا اﻻسلام السياسي او اﻻرهابي، ويقع أيضا إظهار المتآمرين المسلحين على الدولة والممولين من الخارج، كما لو كانوا معارضين وثوارا وديمقراطيين ومسالمين وأصحاب رأي، هذا تزييف  للحقيقة وللتاريخ وفي ذلك تغذية للإرهاب حتى ورسميا هناك حرب ضد اﻻرهابيين فعلا، ومن الجحود ان ننسب اﻻستثناء التونسي في سلمية الثورة التونسية، لغير الثقافة العصرية او الحداثية التي كان بورقيبة صاحب القرار الشجاع فيها ومنها تحرير المرأة وتوحيد وعصرنة القضاء، وحياد الجيش في السياسة.

نعم حارب بورقيبة وحتى بن علي اسلام الخرافات والتسييس واﻻرهاب، وهذا ﻻ يبرئهما من اﻻستبداد واﻻنفراد بالحكم، فهما في ذلك أي في التسلط ﻻ يختلفان عن كل من حكموا في كل التاريخ، واﻵن باسم اﻻسلام السياسي أي ادعاء الحاكم السياسي مرجعية دينية باسم الله أي ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة وتلك صفة كل الشموليين، ﻻيختلف الشمولي باسم الدين عن الشمولي بأية صفة أخرى مثل نيرون، هتلر أو الخليفة...

كل تزييف للتاريخ كما كل توظيف للدين في السياسة، يخدم اﻻرهاب ويسهل تجنيد البسطاء في اﻻرهاب لخدمة من حولوا اﻻسلام من دين الى ثقافة ضد الحياة صنعتها أجهزة وأموال ﻻ صلة لها بالمقدسات من كل اﻻديان..

أتمنى من العقلاء في تونس، في أي موقع كانوا، حتى وإن أخطؤوا التقدير سابقا أو اﻵن، أن ينظروا الى أن الحرب على اﻻرهابيين لن تنجح أبدا في بلادنا وفي غيرها، اﻻ بأن ترافقها الحرب اﻷخرى الموازية أو الاحتياطية أو اﻻستراتيجية أو الحضارية ضد اﻹرهاب، وهي حرب ليست بالسلاح وﻻ بالجنود وﻻ بالخرافات، بل حرب نظيفة إنسانية نبيلة مقدسة، حرب العقل والعلم والثقافة والحياة والحب والعمل والحرية ضد كل أضداد ما سبق، ومن ﻻ يعتقد في ما أقول: أسأله: لماذا كل أو أغلبية ساحقة جدا من اﻻرهابيين ومن ضحاياهم في كل العالم اليوم  هم من المسلمين؟
لن تنتصر تونس أو غيرها في الحرب على اﻻرهابيين من دون الحرب ضد اﻻرهاب، وذلك يتطلب وقف تزييف التاريخ والذاكرة الوطنية وتفعيل جيش العلوم اﻻجتماعية واﻻنسانية، الخبراء في صقل التنشئة اﻻنسانية والتنمية الشاملة..